المصري اليوم .. بقلم دينا عبد الفتاح
القانون مش ورق. القانون حياة. وقانون العمل الجديد رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ مش مجرد تعديل بسيط فى مادة قديمة. هو محاولة لإصلاح علاقة كانت مشوهة لسنين: علاقة العامل بصاحب الشغل.
زمان الكفة ما كانتش متوازنة. العامل كان الحلقة الأضعف. ممكن يتفاجئ بخطاب فصل من غير إنذار. ممكن يشتغل سنين من غير عقد ولا تأمين ولا معاش. وفى لحظة يلاقى نفسه برة من غير أى حماية.
لكن صاحب الشغل نفسه ما كانش فى وضع مريح. أى نزاع مع عامل ممكن يجرجره المحاكم لسنين. فلوس بتتصرف، وقت بيتبخر، إنتاجية بتتعطل. المعادلة كلها كانت خسرانة
من هنا جه القانون الجديد. مش علشان يدى طرف حقه على حساب طرف تانى، لكن علشان يحط ميزان. العامل ياخد أمان. صاحب الشغل ياخد وضوح. والدولة تاخد سوق رسمى منظم بدل الفوضى.
من بين كل التعديلات، تبقى الاستقالة هى القضية الأبرز. زمان كانت مجرد ورقة فى درج المدير. ورقة ممكن تطلع تحت ضغط. أحيانًا تتحول لسلاح ضد العامل نفسه. القانون الجديد قلب المعادلة وقال إن الاستقالة لازم تتقدّم فى مكتب العمل. الفكرة إن المكتب يبقى شاهد عدل. يوثق إن العامل ماشى بإرادته، ويحمى صاحب الشغل من أى ادعاءات كاذبة بعدين.
لكن هنا بيبدأ الخيط الدقيق. المكتب دوره يوثق… مش يسيطر. لو اتوسع أكتر من كده، الخطر كبير. ممكن يتحول لبيروقراطية خانقة. أو أداة انتقام صغيرة فى إيد موظف لفتح باب الرشاوى والإكراميات لاصحاب النفوس الضعيفة وساعتها بدل ما القانون يحمى العامل، يبقى باب مفتوح لتعطيل الشركات وخنق القطاع الخاص.
الفكرة على الورق شكلها منطقية، لكن فى الواقع مكتب العمل كمان عليه عبء رهيب وقدامه تحدى ضخم. النهاردة هو بيستقبل شكاوى محدودة، لكن بكرة أى استقالة فى مصر لازم تمر من عنده. يعنى لو النهارده المئات، بكرة هتبقى آلاف. ولو آلاف، ممكن توصل لعشرات الآلاف.
هل المكتب عنده استعداد؟ هل الموظفين كفاية؟ هل فيه أنظمة إلكترونية تمتص الطوفان ده؟ واللا هنرجع نشوف طوابير على الأبواب وتعطيل فى المصالح؟
الأرقام لوحدها بتوضح الصورة. مصر فيها ملايين الموظفين فى القطاع الخاص. تخيل حتى واحد فى المية بس قرروا يقدموا استقالة فى سنة. النتيجة إن مكاتب العمل هتغرق فى مئات الآلاف من الملفات. من غير رقمنة قوية وموظفين مدرَّبين، الطوفان ده هيشل المنظومة كلها. وهنا يبان الفرق بين قانون يحمى وقانون يخنق. الرقمنة هنا مش بتسرع إجراءات لا دى بتحمى كل الأطراف وبتأكد نزاهة كل الإجراءات وعدالتها وعلشان كده لازم نأكد على أن نجاح التنفيذ مربوط بالاستقالة الإلكترونية.
العامل يدخل على منصة رسمية، يقدم طلب استقالته، يستلم كود تحقق على تليفونه أو إيميله. الطلب يتوثق أوتوماتيك. الشركة تستلم نسخة فى نفس اللحظة. ومكتب العمل يحتفظ بالسجل. وبهذا الشكل نضمن شفافية كاملة وسرعة مضمونة. والأهم إننا نقفل باب الفساد من أساسه. من غير رقمنة القانون يتحول لبيروقراطية جديدة. بالرقمنة، يبقى نقلة حقيقية.
القانون ما وقفش عند الاستقالة. وسّع الحماية على جبهات تانية.
العقد بقى إلزامى. ممنوع شغل من غير عقد مكتوب وواضح. العقد يحدد المرتب، ساعات العمل، الإجازات، والتأمين. يعنى العامل عارف هو فين وصاحب الشغل عارف التزاماته.
كمان القانون ألزم بالحد الأدنى للأجور وبالتأمين الاجتماعى والصحى. ودى مش مجرد حقوق مالية، دى نقلة نوعية. ملايين العمالة غير الرسمية هيدخلوا المنظومة. الدولة تكسب ضرائب وتأمينات. والعامل يكسب معاش وأمان. ولو حصل نزاع، اللجان الجديدة هتفصل بسرعة بدل المحاكم اللى بتاخد سنين. وده يقلل الفوضى فى سوق العمل ويدّى ثقة أكبر للكل.
القانون مش بس للعامل. صاحب الشغل كمان ليه حقوق واضحة.لو العامل سرق أو زوّر أو أفشى أسرار أو غاب من غير سبب، لصاحب الشغل الحق يفصله. الانضباط موجود. العقود المكتوبة كمان فى صالحه. تحميه من أى ادعاءات زائفة وتخلى كل حاجة واضحة من الأول.
وكمان المرونة موجودة. صاحب الشغل يقدر يستخدم عقود محددة المدة أو جزئية حسب احتياجات الإنتاج. ودى نقطة مهمة للشركات الصغيرة أو الموسمية. ولو حصل نزاع، اللجان الجديدة هتحسم بسرعة. من غير استنزاف لسنين فى المحاكم.
القانون مش بس بيغير تفاصيل يومية. هو كمان بيلمس الاقتصاد الكبير.
العامل المطمئن يشتغل بإنتاجية أعلى. صاحب الشغل الواضح يستثمر أكتر. المستثمر الأجنبى لما يشوف سوق منظم يطّمن ويدخل فلوسه. والسوق المحلى كمان محتاج ثقة. الورش الصغيرة، المصانع المتوسطة، الشركات الناشئة… كلها محتاجة بيئة مستقرة وسريعة. أى تعقيد إضافى فى الإجراءات هيأثر سلبًا مش بس على الاستثمار الأجنبى، لكن على الاستثمار المحلى كمان.
أما المرأة فالقانون وفر لها حماية واضحة. ممنوع فصلها بسبب الحمل أو إجازة الوضع. وده معناه مشاركة أوسع فى سوق العمل من غير خوف. المشاركة دى مش قضية فردية، دى قوة اقتصادية. لما الست تشتغل وتتحمى بحقوقها، دخل الأسرة يزيد، والسوق المحلى يقوى.
والشباب بدورهم قدامهم فرصة يدخلوا سوق أكثر تنظيمًا. القانون شدد على التدريب والتأهيل. يعنى الداخلين الجدد يلاقوا فرص أوضح وأمان أكبر. وبكده الإنتاجية العامة تتحسن.
القانون هنا بيجاوب على السؤال: هل ممكن يقضى على فوضى الأعمال ويحسن الإنتاجية ويحمى المرأة؟ نعم، ممكن، بشرط أن يطبق بصرامة ورقمنة.
لكن كل ده حلو على الورق. الخطر الحقيقى لسة موجود.
الخطر مش فى النصوص. الخطر فى التنفيذ. لو مكتب العمل ما استعدش، القانون هيتحول لعبء. لو فضلت الإجراءات ورقية، هنفتح باب بيروقراطية وانتقام. ولو ما اتضاعفتش قدرات المكاتب، الطوفان هيغرق المنظومة.
القانون بيبنى إطار جديد. لكن الإطار ده ممكن يبقى حماية… وممكن يبقى قيد.
القانون الجديد مش عدو ولا منقذ. هو أداة فى إيد التنفيذ. ممكن يفتح باب لحماية حقيقية وتنظيم عادل. وممكن يتقلب لباب بيروقراطية وتعطيل. النصوص اتحطت. والكرة دلوقتى مش عند الورق… الكرة عند التنفيذ.