دور المدراء الماليين في تعزيز استدامة الشركات

وبالطبع، لم يشهد العالم تداعيات أكبر من تلك التي سببها تفشي فيروس كورونا المستجد، والذي لايزال العالم يكافح انتشاره حتى لحظة كتابة هذا المقال.

ويعتمد مدى مرونة الشركة في مواجهة مثل هذه الأحداث بشكل كبير على عمق معايير الاستدامة التي طبقتها في عملياتها التجارية، وعلاقاتها المجتمعية، وأصولها الملموسة وغير الملموسة.


تتخطى قيمة المؤسسة بمراحل ما تُظهره بياناتها المالية، فنحو 80% من قيمتها المقدرة تعتمد على ما تساويه أصولها غير الملموسة.

ويمكن للتركيز المتصاعد على إعداد التقارير المتكاملة (المفهوم بشكل عام بدمج التقارير المالية وغير المالية) أن يؤثر بشكل كبير على مهنة المحاسبة.

وتاريخياً، بذل المحاسبون جهوداً حثيثة لحساب القيمة غير المالية ودمجها بأسلوب منهجي مع التقارير المالية، إلا أن هذا الواقع قد تغير في وقتنا الحاضر، حيث بدأت الكثير من الشركات بإدخال عملية مراقبة الأداء البيئي والاجتماعي والمؤسسي (بوصفها مقاييس الاستدامة الرئيسية) ضمن مراجعاتها الاستراتيجية.


وتحظى جهود الاستدامة حول العالم اليوم بدعم الشركات الكبيرة والصغيرة كونها تنسجم مع أهدافها المؤسسية والبيئية، وتتحول الشركات تدريجياً في تركيزها نحو الأولويات لتلبية هذه المتطلبات بأسلوب يعزز القيمة، وباتت تدابير إدارة المخاطر وخفض التكلفة محركات رئيسية لأجندة استدامة الشركات.

قد يعتقد البعض أن إعداد التقارير غير المالية هي مهمة فرق التسويق والرئيس التنفيذي بشكل رئيسي، وبعيدة تماماً عن مسؤوليات فريق العمليات المالية، ومع ذلك، فإن أفراد فرق العمليات المالية، بقيادة المدير المالي، منوط بهم دور محوري في قضية الاستدامة المتعلقة بمزاولة الأعمال، ومواءمة هذه المهمة مع أهداف المؤسسة البعيدة المدى.

فتقارير الاستدامة هي قضية معقدة، وتحدٍ متعدد الجوانب يتطلب مقاربة تكتيكية تجعل من المتخصصين في الشؤون المالية الأكثر أهلية لإجرائها بفضل ما يمتلكونه من مهارات، وقد تفتقر فرق العمل الأخرى للعمليات الممنهجة والبنية التحتية المناسبة، بما في ذلك الموارد والأدوات الموحدة، والسياسات، وقدرات جمع البيانات، وبرامج التحليل، وهي أدوات متاحة بالفعل لفرق الشؤون والعمليات المالية.


وفي ضوء التطور الذي تعيشه المهنة لتكون أكثر قدرة على إدخال أسس الاستدامة وبأفضل وجه ممكن في ممارسات المحاسبة، يظهر دور جديد: إعداد التقارير المحاسبية المستدامة للمدير المالي.

ويجمع هذا الدور بين عملية إعداد التقارير حول طيف واسع من المواضيع، على غرار إدارة البصمة الكربونية وتقييم التأثير الاجتماعي، ويشارك رواد هذا الميدان في تأسيس التقارير غير المالية ومعايير المحاسبة المعنية بالاستدامة.


وبفضل خلفيتهم المحاسبية، من المتوقع لمحاسبي الاستدامة أن يتمكنوا من الربط بين صرامة ولغة المحاسبة مع تعقيدات قضية الاستدامة، ويدعم هذا الدور تحقيق أفضل إدماج ممكن بين المخاوف الاجتماعية والبيئية بالممارسات اليومية في المؤسسة، وللنجاح بذلك، يتعين على محاسبي الاستدامة أن يتمكنوا من إظهار القيمة التي يضيفها منصبهم على أعمال المؤسسة، داخلياً وخارجياً.


يعود تأسيس هذا المنصب الجديد بفوائد كبيرة على المهنة، فضخامة هذه المسؤولية تجعل من غير المحتمل أن يقوم المديرون الماليون التقليديون بإدارة الأداء الاجتماعي والبيئي لمؤسساتهم بشكل مباشر.

لذلك فإن محاسبي الاستدامة هم ضرورة حتمية للتعامل مع مثل هذا المجال الواسع والمتطور، ومية للتعامل مع مثل هذا المجال الواسع والمتطور، ولاشك أن هذا التطور أمر في غاية الأهمية نظراً لتوسع مسؤوليات المدراء الماليين لتشمل الاستدامة، ليصبحوا بذلك مسؤولين أيضًا عن توفير القيمة المتميزة.