أجرت الحوار- دينا عبدالفتاح:
المجموعة المصرفية تطلق على القاهرة دائمًا «البيت الثانى» برؤية إيجابية ورغبة فى التوسع
50 % من إيرادات البنك تأتى عبر معاملات الأسواق الدولية والخدمات المصرفية والاستثمارية للشركات
الانتشار الخارجى للبنك وعلاقاته الدولية المتشعبة مكنتنا من فتح أسواق تصديرية جديدة للكثير من العملاء المحليين
مصر تمتلك مقومات اقتصادية قوية تشجع على دخول الاستثمارات الأجنبية للسوق
700 % نموًا فى حجم أصول البنك آخر عامين بفضل بناء الثقة مع العملاء
نجحنا فى الوصول بالعمليات البنكية الرقمية إلى نحو 60%
اتسمت العلاقات المصرية الإماراتية الاقتصادية على مر التاريخ بالقوة والمتانة خاصة منذ سبعينيات القرن الماضى وحتى الآن، وذلك انطلاقًا من رؤية المؤسس لاتحاد الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتى تجد فى مصر ركيزةً للاستقرار السياسى والأمنى فى منطقة الشرق الأوسط، وقلب الأمة العربية النابض.. وهى علاقات مرشحة دائماً للنمو، وتحمل آفاقاً واعدة فى مختلف المجالات، يدعمها مقومات اقتصادية كبيرة؛ تتمتع بها مصر ممثلة فى رأس المال البشرى، والموقع الجغرافى المتميز، والموانئ، والأراضى الخصبة، واللوجيستيات، فضلاً عن الطلب الحقيقي وشريحة المستهلكين الكبيرة التي تنمو سنويًا، وغيرها من المقومات الجاذبة لأى مستثمر.. يقابله الذكاء الشديد للمستثمر الإماراتي في البحث عن الفرص وتوقيت اقتناصها وتنفيذ التوسعات الاستثمارية المختلفة.
ولعل هذا الأمر ظهر جليًا في تنفيذ صفقة استحواذ مجموعة أبوظبى الأول المصرفية ذائعة الصيت، وإحدى القلاع البنكية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، على بنك عوده مصر والتى تم تنفيذها بملايين الدولارات فى عام 2021 برغم الإغلاقات وحالة الترقب العام التى فرضتها جائحة كورونا على الأسواق العالمية فى ذلك الوقت.
فى حوار مع محمد عباس فايد الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب لبنك أبوظبى الأول – مصر، أكد أن صفقة الاستحواذ وتوقيتها يؤكدان الرؤية شديدة الإيجابية لدى المجموعة الإماراتية للسوق المصرية والتى تشكلت على مدار سنوات من العمل، إذا كان أبوظبى الأول صاحب أول فرع أجنبى فى مصر منذ عام 1974 تحت مسمى «أبوظبى الوطنى» بعد تأسيس اتحاد الإمارات، كما أنها كانت نقطة البداية لتأسيس مؤسسة مالية مصرفية عملاقة، هى بنك أبوظبى الأول مصر الذى استطاع فى وقت قصير تدوين قصة نجاح، جعلته رابع أكبر بنك فى السوق المحلية من حيث الأصول بقيمة 430 مليار جنيه، وواحدًا من أكثر الكيانات تحقيقًا للربحية من بين امتدادات المجموعة الأم التى تتواجد فيما يزيد على 18 دولة حول العالم، وتتجاوز قيمتها السوقية 37 مليار دولار والحائزة على أقوى تصنيف ائتمانى مجمع داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا Aa3 وAA- وAA- من وكالات موديز، وستاندرد آند بورز، وفيتش على التوالي.
وأشار “فايد” إلى رغبة المجموعة فى تنفيذ المزيد من التوسعات داخل السوق المصرية خلال الفترة المقبلة باعتبارها سوقًا واعدة وضخمة ويمكن من خلالها تحقيق عوائد مرتفعة، كما تحظى بالاهتمام الإماراتى على مدار التاريخ وفى جميع الأوقات، مدللاً على ذلك باستحواذها على المركز الأول في قائمة الاستثمارات الأجنبية حتى قبل توقيع مشروع رأس الحكمة، أضخم صفقة استثمار أجنبي مباشر فى تاريخ مصر بقيمة مبدئية تُقدر بنحو 35 مليار دولار.. وإلى نص الحوار:
رغم الاضطرابات السياسية التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال الآونة الحالية، فإن التوسع الاستثمارى للإمارات العربية المتحدة خارجيًا خاصة فى مصر واصل النمو بشكل مطّرد.. كيف تفسر هذا التوجه؟
هذا بالتأكيد يدلل على القناعة الكبيرة والثقة التامة للإمارات فى الدولة المصرية، قيادة وشعبًا، والتى تعتبر البيت الثانى للإمارات، كما يدل على الفرص الاستثمارية والعوائد الجيدة التى يمكن تحقيقها داخل السوق المصرية، والتى تنعكس بشكل إيجابى على خطط التوسع الاستثمارى للإمارات بما لديها فوائض مالية ترغب فى استثمارها وهو ما يعطى ثِقلًا للدولة فى ظل انتشار استثماراتها حول العالم، فضلاً عن تنشيط وإنعاش العلاقات وجذب أفكار وثقافات ورؤى مختلفة.
ورغم كل الاضطرابات والتوترات الجيوسياسية التى تشهدها المنطقة، فإن مصر تشهد استقرارًا، ولديها تنوع كبير فى الصناعات الجاذبة للمستثمرين، سواء فى الصناعات الغذائية، أو التصديرية، أو الخدمية، واللوجيستية، والمالية، والسياحية والفندقية وغيرها، كما أن هذه الصناعات تمكن المستثمرين من تحقيق عوائد مجزية.
هذه المقومات بجانب ثقة الجانب الإماراتى فى وضع ومستقبل الاقتصاد المصرى أفرزت صفقة رأس الحكمة التى تعد الأضخم فى تاريخ الاستثمارات الأجنبية داخل السوق المحلية بقيمة مبدئية 35 مليار دولار ترتفع إلى 150 مليارًا على مدار عمر المشروع.. فالصفقة أكبر دليل على الثقة التامة فى الاقتصاد المصرى، ومن شأنها أن تمنح المزيد من الثقة أيضًا للاستثمارات الإمارتية الأخرى والأجنبية الراغبة فى القدوم أو التوسع داخل مصر.
«رأس الحكمة» صفقة استثنائية تاريخية بكل تأكيد فى حجمها وتوقيتها.. لكن كيف ترى الوضع الاستثمارى لمصر ومدى جاذبيته للمستثمرين الأجانب بشكل عام؟
الوضع الاستثمارى لمصر جاذب للغاية، ويحقق أكبر عوائد داخل أسواق المنطقة، وهو ما تبرهن عليه الاستثمارات الضخمة التى تستقطبها الدولة من مستثمرين من جميع أنحاء العالم، إذ تصدرت مصر دول قارة أفريقيا والعديد من بلدان العالم فى جذب الاستثمار الأجنبى المباشر، بقيمة بلغت نحو 10 مليارات دولار فى عام 2023، من بين 52.6 مليار دولار تدفقات لقارة أفريقيا ومن بين 13.461 مليار دولار لكل دول شمال أفريقيا، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد».
فالدولة المصرية تمتلك مقومات اقتصادية كبيرة جدًا؛ رأس المال البشرى، والموقع الجغرافى المتميز، والموانئ، والأراضى الخصبة، واللوجيستيات، فضلاً عن الطلب الحقيقى وشريحة المستهلكين الكبيرة التى تنمو 2.5% سنويًا، وغيرها من المقومات الجاذبة لأى مستثمر، كما أن نمو الطلب فى مصر مستمر، ما يجعل الحصة السوقية للشركات تنمو بشكل أكبر.
فالمستثمر ينظر إلى الطلب على الخدمات التى سيقدمها فى الدولة التى سيستثمر بها كأحد أهم المقومات للتواجد فى السوق، إذ إن الطلب لا يقتصر فقط على المأكولات والمشروبات والملابس، وإنما الطلب يكون على الصناعات والزراعة والتنمية والصحة والتعليم، خاصة فى ظل النمو السنوى على السلع والخدمات بفعل الزيادة، والتركيبة السكانية التى يغلب عليها فئة الشباب وهو ما يعرف لدى المستثمرين بـ«سن الرغبة فى الطلب»، ما يترتب عليه إتاحة فرص عمل وتنمية حقيقية.
فالمقومات الاستثمارية لدى مصر عظيمة للغاية وتستحق أفضل بكثير مما هى فيه، وفيما يتعلق بمخاطر الأوضاع الإقليمية الحالية، فهى محسوبة التكلفة والمستثمر يستطيع التعامل معها وتحقيق عوائد جيدة بشكل كبير، ويمكن الاستدلال على ذلك بالنمو الكبير فى أرباح الشركات العاملة فى السوق المحلية خلال العامين الماضيين.
بالحديث عن الاقتصاد المصرى، ما أبرز التحديات والحلول المطلوبة من وجهة نظرك خلال الفترة الراهنة لتحقيق الإنطلاقة المرجوة وضمان عدم التعرض مرة أخرى للهزات العنيفة التى شهدناها فى السنوات الماضية؟
الاقتصاد المصرى تعرض للعديد من الاضطرابات خلال السنوات الماضية، ولتفادى المزيد من الهزات وتحقيق الانتعاش المطلوب، يجب تحديد الأهداف بدقة، إذ إن الرؤية هى أساس التقدم، ويجب أن تكون هذه الأهداف معتمدة على أرقام طبقًا لاحتياجات الدولة الداخلية.
فمصر لديها عجز مستمر فى العملة الأجنبية وهو السبب الرئيسى فى التضخم المرتفع والمرض الذى تعانى منه الدولة، وهو ما يجب التركيز عليه عبر العمل على تعزيز موارد العملة؛ الصادرات، والسياحة، والاستثمار، وقناة السويس، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج..
فالحلول ترتكز بشكل أساسى فى أن يكون لدينا حلم، والعمل على تحقيق هذا الحلم، فعلى سبيل المثال، يجب العمل على تعزيز موارد قطاع السياحة، والذى أرى أنه مورد مهم غير مستغل بالشكل الأمثل، إذ إن هناك العديد من البلدان التى ليس لديها ولو جزءًا بسيطًا من الإمكانيات التى تمتلكها مصر وتحقق إيرادات ضخمة من هذا القطاع.
أيضا لا بد من الانفتاح على العالم وجذب رؤوس أموال أحد العناصر الرئيسية التى يجب العمل عليها خلال الفترة الراهنة، لتحقيق ربح متبادل لجميع الأطراف، إضافة إلى ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية وإدارية، واختيار الأشخاص المناسبين فى الأماكن المناسبة لهم لتنفيذ السياسة المستهدفة.
كذلك يجب التنسيق بين عمل الوزارات كأحد الملفات الضرورية فى المرحلة الحالية للتحدث مع العالم، وليس العمل فى جزر منعزلة عن بعضها، فتأسيس مجموعات عمل لتحقيق أهداف محددة «حتمى» فى الوقت الراهن، ومتابعة تنفيذ هذه الأهداف بشكل دورى.
ملف العملة وتوفيرها من الأمور التى لاقت جدلًا كبيرًا خلال الأزمة.. هل ترى أن السياسة النقدية وحدها قادرة على معالجة هذا الملف المهم؟
مشكلة عجز العملة فى الأساس تأتى من السياسة المالية والاقتصاد الحقيقى بشكل عام بما يتضمنه من سياسات مالية وتجارية واستثمارية وليس السياسة النقدية، فالأخيرة تحاول علاج المشكلات الموجودة بأدوات محددة ولفترات قصيرة مثل معالجة التضخم بأسعار الفائدة وهكذا.
الحل يكمن فى زيادة الموارد والتنمية الحقيقية عبر استغلال البنية التحتية التى تم تأسيسها فى جذب الاستثمارات لإتاحة موارد بالعملة الأجنبية، والعمل على تنمية قطاع الخدمات بشكل عاجل.
كما يجب أن ينقل قطاع السياحة إلى مستوى مختلف تمامًا، وعلى جميع الشرائح أن تسهم فى تحقيق هذا الهدف، إضافة إلى ضرورة الارتقاع بخدمات الموانئ واللوجيستيات وكل ما هو خدمى إلى مكانة أخرى لأنها المورد السريع لجذب العملة الأجنبية، على عكس الصناعة التى تحتاج إلى فترات طويلة لتأسيس كيانات وإيجاد أسواق لها.
هل ترى أن سعر الدولار يتناسب مع حجم الاقتصاد الحقيقى، أو أن ندرة وجوده فى السوق المصرية وراء ارتفاعه مقابل الجنيه؟
الندرة هى ما جعلت سعر الدولار مرتفعًا، إذ إن الاقتصاد المصرى أكبر بكثير من أن يكون هذا هو السعر العادل بين الدولار والجنيه، لذا يجب العمل على العديد من المحاور، وأولها تقليل الاستيراد واستبداله بمنتجات محلية بديلة، وزيادة الصادرات الخدمية، ونمو ميزان المدفوعات، وتقليل عجز الحساب الجارى.
مصر لديها موارد ضخمة وأصول غير مستغلة وخامات يمكن تصنيعها وتصديرها، وأسواق تنتظر منتجاتنا، ولكن يجب أن تكون لدينا مستهدفات محددة والعمل بجد على تحقيقها.
مستهدفاتنا للتصدير والبالغة 100 مليار دولار أرى أنها متواضعة للغاية، كما أن مستهدفاتنا للسياحة بدخول 15 مليون سائح وجذب 15 مليار دولار أرى أنها ضعيفة جدًا، يمكن لمصر تحقيق 100 مليار دولار من هذا القطاع، وذلك ليس تصورًا غير واقعى، بل من مقارنة واقعية مع دول العالم من حولنا.
كما أن نشر الوعى بين المصريين ضرورى للغاية للوصول إلى أهداف الدولة، وذلك عبر برنامج معلن وواضح وبأهداف محددة، فعلى سبيل المثال مواجهة ارتفاع التضخم تتطلب زيادة الدخول، وذلك عبر زيادة الإنتاج الحقيقى من سلع وخدمات محلية تحد من الاستيراد وتخلق الفرصة البديلة، وهو ما يستلزم جهدًا أكبر من المواطنين.
«أبوظبى الأول» يُعد أكبر بنك فى الإمارات وضمن أهم المجموعات المصرفية ذائعة الصيت فى المنطقة.. فكيف تنظر المجموعة للسوق المصرية فى ضوء التطورات الأخيرة؟
مجموعة بنك أبوظبى الأول تعمل فى مصر منذ عام 1974، فهى صاحبة أول فرع أجنبى داخل السوق المحلية والذى أسسته تحت مسمى «أبوظبى الوطنى» بعد تدشين اتحاد الإمارات فى السبعينيات، وهو ما يدلل على المكانة التاريخية لمصر لدى مستثمرى وشعب وقيادة الإمارات العربية المتحدة..
فالمجموعة الأم تنظر إلى السوق المصرية على أنها واعدة وضخمة وتطلق عليها دائما مصطلح «البيت الثانى»، وبعد التوسع الأخير عبر صفقة الاستحواذ على بنك عوده، أصبح البنك فى مصر يمثل جزءا كبيرا من أصول وربحية المجموعة.
انطلاقًا من خبراتك المصرفية المكتسبة من مدارس متنوعة وبصفتك ممثلاً لمجموعة أبوظبى الأول الإماراتية فى مصر.. ما الإضافة التى يقدمها المستثمر الإماراتى عند دخوله فى صناعة أو خدمة موجودة فى السوق المصرية؟
بالحديث عن القيمة المضافة التى يقدمها المستثمرون الإماراتيون للسوق المصرية، فإن نقل الأفكار المبتكرة أحد أبرز هذه العوامل، فعلى مستوى القطاع المصرفى، فإن الإمارات لديها قطاع مصرفى ضخم، وعلى سبيل المثال فإن أصول بنك أبوظبى الأول فى الإمارات قد يساوى حجم القطاع المصرفى المصرى بأكمله، والصناعة المصرفية هناك منفتحة على العالم بشكل واسع، ما يمكنهم من نقل الثقافة والمعرفة بشكل كبير.
وتبلغ أصول بنك أبو ظبى الأول نحو 1.2 تريليون درهم ما يعادل 320 مليار دولار حتى نهاية يونيو 2024، فضلاً عن وجوده فى نحو 17 دولة حول العالم فى خمس قارات، حيث يوفر من خلال علاقاته الدولية، وخبراته الواسعة وقوته المالية الدعم للشركات المحلية والإقليمية والدولية التى تسعى لإدارة أعمالها محلياً وعالمياً.
الإضافة الثانية تتمثل فى حسن اختيار الكفاءات والكوادر التى تشغل مناصب مهمة فى الدول التى يستثمرون بها، ما يرفع من جودة وكفاءة الموظفين، فضلاً عن سرعة اتخاذ القرارات، والرؤية الجيدة والثاقبة للمستقبل والفترات المقبلة، إضافة إلى تصدير تجاربهم المختلفة، فعلى سبيل المثال فإن بنك أبوظبى الأول موجود فى 17 دولة حول العالم، ما يعظم الخبرات التى ينقلها، ويتيح لنا الانفتاح على دول أخرى.
نقل الثقافات الدولية المختلفة والانفتاح على الدول يسهم فى جذب الاستثمارات الأجنبية لمصر ويعمق العلاقات بين الدول، وهو ما يحسن أيضًا أداء الشركات والبنوك ويعزز من خبرات العاملين بهذه المؤسسات، كما أن التنسيق والاستقلالية فى اتخاذ القرارات أحد أبرز ما يميز المستثمرين الإماراتيين.
جاءت صفقة استحواذ أبوظبى الأول على بنك عوده فى مصر فى وقت صعب، إذ كان العالم يعانى تداعيات جائحة كورونا ومخاوف حدوث أزمة كساد كبيرة، ورغم ذلك نُفِذَّتْ هذه الصفقة المهمة.. كيف كان اتخاذ قرار الاستحواذ؟ ولماذا؟
يقال إن أفضل الأوقات للاستحواذ هى أوقات الركود، لذا وجدت المجموعة فرصة للاستحواذ على بنك عوده مصر، فى فترة تفشى جائحة كورونا، إذ تلاقت إرادة الطرفين على البيع والشراء، دون تدخل شخصى منى، حيث كنت رئيسًا تنفيذيًا لبنك عوده مصر لنحو 5 سنوات، وما شجعنى على تولى رئاسة بنك أبوظبى الأول مصر، هو الرؤية الطموح للمجموعة للتوسع والنمو فى السوق المصرية.
فانتشار جاحة كوفيد 19 وعمليات الإغلاق التى شهدها العالم خلال هذه الفترة، كانت أبرز الصعوبات التى واجهت مجموعة أبو ظبى الأول خلال عملية الاستحواذ، إضافة إلى الالتزام بمتطلبات البنك المركزى المصرى فى عمليات الاستحواذ والاندماج، وتطلع السوق إلى العلامة التجارية الجديدة بعد تخارج عوده، ودمج الموظفين فى بيئة العمل الجديدة، وما ساعدنا فى تحسين تجربة العملاء وتلبية متطلباتهم، هى رغبة موظفى البنكين فى النمو والتطور.
فى 30 يونيو 2022 انتهى البنك من عملية الدمج لأنظمته مع بنك عوده مصر، وأصبح FAB MISR يعمل بنظام بنكى موحد لمختلف عملائه وعبر فروعه كافة، إذ بدأت عملية دمج وتوحيد الأنظمة منذ الإعلان عن الاستحواذ، ونجحت الإدارات التنفيذية للبنكين من الانتهاء منها فى الوقت المحدد فى أكتوبر 2022، وتعد مدة زمنية قياسية نظرا لحساسية عمليات الاندماج فى القطاع المصرفى.
عملية دمج فرق العمل كانت الأصعب وحظيت باهتمام وعناية كبيرين، حتى تكتمل دون أى شعور بالتفرقة بين موظفى البنكين على مستوى أنظمة وثقافة وسياسات العمل.
عملية الاندماج البنكى من الأمور الأشد حساسية فى القطاع، فما أبرز مخاوف الرؤساء التنفيذيين أثناء إتمام العملية؟
عملية التناغم فى الاندماج وعدم إحساس العميل بأن هناك تغييرًا فى تقديم الخدمة هى أبرز ما يقلق الرؤساء التنفيذيين أثناء عمليات الاندماج، إذ إن العميل يخشى حدوث أى مشكلات فى حساباته، أو حدوث تغييرات جوهرية فى أنظمة عمل وواجهة البنك، وهو ما يعمل عليه فريق عمل البنك منذ اللحظة الأولى فى عمليات الدمج.
كم نسبة تقارب العمل بين البنك فى مصر والمجموعة فى أبوظبى؟
تقاربنا كثيرًا مع طريقة عمل المجموعة الأم، فى سياسات وإجراءات العمل، خاصة أن المجموعة تحظى بتصنيف ائتمانى من بين أقوى التصنيفات الائتمانية المشتركة لأى بنك فى منطقة الشرق الأوسط؛ إذ يأتى فى تصنيفات عالمية فى التصنيف Aa3 بتصنيف موديز، وAA- بتصنيف ستاندرد آند بورز (S&P)، و AA- بتصنيف فيتش.
كما أن المجموعة تتابع عمل البنك فى مصر بشكل مستمر لتوحيد إستراتيجيات عمل البنك مع المجموعة، مع مراعاة الفارق بين الخدمات الرقمية فى مصر والإمارات، وهو ما نسعى إلى الوصول إليه خلال الفترة المقبلة عبر رقمنة العمليات داخل البنك لتحقيق راحة ورفاهية العميل بشكل أساسى.
ونجحنا فى الوصول بالعمليات البنكية الرقمية إلى نحو 60% من إجمالى عمليات أبوظبى الأول مصر، ونسعى لزيادتها خلال الفترة المقبلة.
هل يمكن أن نرى مدرسة مصرفية لبنك أبوظبى الأول فى السوق المصرية؟
بنك أبوظبى الأول كانت له بصمة منذ اليوم الأول لدخوله السوق المصرية فى شكله الجديد، وأعتقد أنه مع مرور السنوات ستكون للبنك مدرسة خاصة، تتميز بالاستمرارية والتنوع والواقعية فى التعامل، وهو ما يتطلب مجموعة من العوامل على رأسها شهادة ثقة العميل والمساهم والدولة والعاملين فى المؤسسة.
وأهم ما يدعم أبوظبى الأول ليكون مدرسة مصرفية يتجه إليها العملاء هى التميز والصدق فى التعامل والواقعية والعلاقات الدولية، إذ إن ما يطلبه العميل هو خدمة جيدة، ولكن ما يميز بنك عن آخر هو طريقة تقديم الخدمة ذاتها وتطويعها للظروف فى ظل تسارع الأحداث يومًا بعد يوم، فتقديم الخدمة والنصيحة للعميل ومساعدته على النمو فى مصر والخروج به للأسواق الخارجية كل ذلك يعزز مكانة البنك لدى العميل.
وفى ظل سياسة الدولة لزيادة حجم التصدير وفتح أسواق جديدة، فإن دور بنك أبوظبى الأول لا يقتصر على منح التمويل فحسب، بل يتمثل فى مساعدة العميل على تحقيق مستهدفات الدولة، خاصة فى ظل علاقات البنك الدولية وانفتاحه على الأسواق المختلفة وربط المصدرين المحليين بالمستوردين فى الخارج، وهو ما يجعل البنك يشعر بدوره القومى الكبير فى خدمة اقتصاد وتنمية البلد.
كما أن دور البنك يجب أن يتسم بالشفافية والمصداقية وحماية حقوق العملاء، وتقديم النصيحة الصادقة للعميل، إذ إن نجاح المصرف من نجاح العميل وينعكس على نجاح الدولة، ونجح بنك أبوظبى الأول مصر بالفعل خلال العامين الماضيين فى بناء ثقة مع العملاء وهو ما يظهر بشكل ملحوظ فى نمو حجم أعماله البنك، إذ نمت أصوله بنحو 700% خلال عامين، وهو ما يؤكد نمو قاعدة العملاء.
بينما ارتفعت أصول القطاع المصرفى المصرى خلال آخر عامين من نحو 8.6 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2021، إلى نحو 18.4 تريليون جنيه بنهاية أبريل الماضى، بنمو 114%.
مجموعة أبوظبى الأول تتولى معظم العمليات الكبيرة التى تتم بين الجانبين المصرى والإماراتى، ما تفسيرك لهذا؟
ثقة المجموعة فى الاقتصاد المصرى هى السبب الرئيسى وراء هذه العمليات، فضلاً عن كونه البنك الأكبر فى الإمارات، ما يجعله بوابة المستثمرين القادمين من الإمارات إلى مصر، خاصة من أبوظبى، وبدورنا نساعد فى مصر المستثمرين وكيفية إدارة استثماراتهم فى مصر مع تسهيل بناء النماذج المالية الخاصة بهم.
بعد النتائج الإيجابية القوية التى حققها بنك أبوظبى الأول مصر خلال النصف الأول من العام الجارى، ما توقعاتك لمعدلات الربحية خلال 2024؟
نجحنا فى تحقيق نمو فى صافى الأرباح خلال النصف الأول من عام 2024، ليسجل 15.8 مليار جنيه بارتفاع 139%، مقارنة الفترة المناظرة من العام السابق، وبنسبة نمو 121% بعد تحييد أثر فروق تغير سعر الصرف.
ونتوقع أن يتخطى صافى أرباح البنك خلال العام الجارى مستوى 20 مليار جنيه، مقابل نحو 10.4 مليار العام الماضى 2023، علمًا بأن صافى أرباح البنكين وقت عملية الاستحواذ فى 2021، كانت تبلغ 1.9 مليار جنيه.
هناك ما يعرف بمكررات الربحية وهى الفترة المتوقع استرداد التكلفة التى ضخها المستثمر لشراء أحد الأصول.. فمتى يمكن القول إن أبوظبى الأول مصر استعاد تكلفة صفقة الاستحواذ؟
فى الطبيعى يتم استرداد التكلفة الاستثمارية لأى عملية استحواذ خلال فترة من 6 إلى 7 سنوات ثم البدء فى تحقيق عائد على هذه التكلفة، وحاليا نحقق معدلات نمو كبيرة فى الربحية واسترداد قيمة تكلفة الاستثمار، وهو ما يشجع المجموعة على دعم البنك فى مصر بشكل أكبر.
من أين تأتى إيرادات بنك أبوظبى الأول فى مصر؟
معظم الإيرادات بنسبة تتخطى 50% تأتى من معاملات الأسواق الدولية والخدمات المصرفية والاستثمارية للشركات والجزء الآخر من خطوط الأعمال الأخرى مثل التجزئة المصرفية وغيرها، كما أن البنك فى مصر يركز على نقطة التميز فى الخدمات بالتعاون مع المجموعة الأم.
فانتشار البنك خارج مصر وعلاقاته الدولية المتشعبة، جعلنا قادرين على مساعدة الكثير من العملاء للانتقال إلى أسواق تصديرية، ليس منتجات فقط بل خدمات أيضًا، إذ ساعدنا عدد من شركات المقاولات للخروج للعمل فى المملكة العربية السعودية ودول الخليج بشكل عام.
وكما ذكرت سابقًا فإن التصدير هو الأولوية التى يركز عليها بنك أبو ظبى الأول فى مصر، بهدف دعم الدولة فى إستراتيجيتها الهادفة إلى دعم الصادرات والوصول بها إلى أكثر من 100 مليار دولار، لذا نعمل بقوة على دعم كل ما يتعلق بالتصدير، عبر مساعدتنا للعملاء للوصول إلى أسواق جديدة قد لا يكون متطلعًا إليها بشكل واضح، إضافة إلى مساعدته على التأقلم مع طبيعة العمل الخاصة بهذه الأسواق.
البنك حقق أيضًا نتائج إيجابية على المستويات كافة، إذ نما صافى محفظة القروض والسلفيات بنسبة 40% إلى 121.2 مليار جنيه، مقارنة بنهاية ديسمبر 2023، كما ارتفع إجمالى الأصول إلى 429.9 مليار جنيه، بزيادة 46%، وشهدت ودائع العملاء نموًا كبيرًا لتسجل 278.7 مليار جنيه بزيادة 39%.
وعلى مستوى قائمة الدخل، ارتفع صافى الدخل من العائد إلى 14.6 مليار جنيه بنهاية يونيو 2024، بنمو 116% مقارنة بالفترة المناظرة من العام الماضى، وقفز صافى الدخل من الأتعاب والعمولات إلى 1.3 مليار جنيه بمعدل نمو 30%، مقارنة بالنصف الأول من عام 2023.
و”نحمد الله” على ما حققناه من أداء قوى خلال النصف الأول من عام 2024، والذى يظهر فعالية إستراتيجيتنا نحو تحقيق النمو، إلى جانب التزامنا بتزويد عملائنا بالحلول المالية المبتكرة.
هذا النمو الكبير فى النتائج المالية الرئيسية للبنك يمثل مؤشراً على مكانتنا المتميزة فى السوق المصرفية المصرية وقدرتنا على التعامل مع متغيرات البيئة الاقتصادية فى مصر، وسنواصل فى البنك الاستفادة مما نمتلكه من نقاط قوة من أجل دفع التميز التشغيلى وتعزيز فرص النمو المستدام لتقديم قيمة طويلة الأجل لجميع المستفيدين.
ونسعى دائمًا إلى تعزيز مكانة البنك فى السوق مع الحفاظ على الإدارة الحكيمة للمخاطر وتحسين الكفاءة التشغيلية، بما يسهم فى تقديم قيمة استثنائية للعملاء، بدعم من قدرة البنك على العمل فى بيئة اقتصادية ديناميكية مع الحفاظ على التزامه بأهدافه طويلة المدى.
هل عملك الطويل فى مجال القروض المشتركة انعكس على استراتيجية عمل بنك أبوظبى الأول مصر؟
طوال مسيرتى فى العمل المصرفى وأنا داعم للقروض المشتركة خاصة الموجهة لقطاع الصناعة والمشروعات التى تولِّد تنمية حقيقية، فأنا أؤيد بقوة أى قروض تقدم قيمة مضافة للاقتصاد، ولكن سوق القروض المشتركة فى مصر تشهد حالة من التباطؤ خلال الفترة الأخيرة.
ونحن فى أبوظبى الأول مصر نرحب بأى قروض مشتركة تدعم هذا المسار وتخلق قيمة مضافة وتنمية حقيقية للاقتصاد المصرى، حيث ننظر إلى العائد من المشروع وعدد فرص العمل التى سيوفرها، والتكنولوجيا التى سيعمل بها، وهل يتطلع إلى التصدير أو لا؟
وأرى أنه على الجميع «حكومة، بنوك، مستثمرين محليين وأجانب، ومواطنين» التركيز على الإنتاج، والعمل على دعم الاستثمار والانفتاح على العالم، كما أننى متفائل بالحكومة الجديدة ونيتها لمساعدة الجهات المختلفة للنهوض بالقتصاد وتحقيق التنمية.
هل ترى أن تركيز الاستثمار فى القطاع العقارى خلال الفترة الأخيرة لصالح الاقتصاد أوالعكس؟
العقار سيظل مطلوبًا ولكن لا نريد الاستثمار فى العقار لمجرد التحوط فحسب، إذ إن فوائض السيولة التى يتم وضعها فى العقارات يمكن استثمارها فى أعمال إنتاجية.
ما أفضل وسيلة يمكن للأفراد أن يستثمروا بها فى مثل هذه الأوقات؟
كل استثمار يُدر عائدًا منطقيا، وأنا من الشخصيات التى تفضل تنويع استثماراتها لتنويع المخاطر، فأضع جزءًا من استثماراتى فى البورصة مع العمل على فهم أدوات الاستثمار فى أسواق المال، وبعضًا من مدخراتى فى الأوعية البنكية، وجزءًا منها فى ريادة الأعمال عبر الدخول فى شراكات مع أشخاص ذوى فكر، والبدء فى مشروعات صغيرة.