توقّع صندوق النقد الدولي أن يتجاوز معدل التضخم في فنزويلا مليون في المئة، بحلول نهاية عام 2018، مع تفاقم الأزمة التي تعصف بالبلاد.
وتعاني البلاد التي تمتلك احتياطيا ضخما من النفط من أزمة حادة في الاقتصاد والإمدادات، وذلك بسبب سوء الإدارة والفساد وتراجع أسعار النفط.
وكانت لفنزويلا تجربة واعدة في النمو الاقتصادي والديمقراطية في السبعينيات وحتى نهاية الثمانينيات، مما أتاح لها أن تدير الفائض الاقتصادي الناتج عن بيع البترول.
واستغل رئيس فنزويلا السابق تشافيز عائدات البترول المرتفعة، وبخاصة بعد حرب العراق 2003 التي أدت إلى ارتفاع أسعار البترول بشكل كبير، في تمويل برامج اجتماعية كثيرة في التعليم والإسكان والصحة، ولكنه لم يفكر في تحرير الاقتصاد الفنزويلي من عبوديته للبترول، ولم يهتم كثيرًا بالاقتصاد الكلي، وكان الإنفاق المموَّل من عائدات النفط أو من الاقتراض همه الأول والأخير، حتى وفاته في 2013.
بعدما صعد “نيكولاس مادورو” إلى السلطة بعد وفاة تشافيز، ولسوء حظ مادورو وفنزويلا، بدأت أسعار البترول في الهبوط من 2014 حتى وصلت إلى نحو 50 دولارًا للبرميل، بعد أن كانت تقارب مئة دولار.
ويُمثل الخام 90% من صادرات فنزويلا، فإن انهيار الاقتصاد بتراجع أسعار الخام كان أمرًا حتميًا.
وقد هبط -الآن- إنتاج فنزويلا النفطي عند أدنى مستوى في 30 عام إلى 1.5 مليون برميل يوميًا من مستوى 3.2 مليون برميل يوميًا عام 2008، وأسفر هذا الهبوط عن خسارة الاقتصاد الفنزويلي ما يعادل 35% من ناتجه المحلي في السنوات الخمسة الماضية فقط.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع هذه النسبة ليفقد الاقتصاد الفنزويلي نحو النصف تقريبًا من قيمته بحلول عام 2020، كما ارتفع معدل التضخم على أساس سنوي في 2017 لنحو 13.864% على أساس سنوي، وأصبحت العملة الفنزويلية “بوليفار” في مأزق كبير، حيث ارتفع الدولار في أغسطس 2017 إلى 12 ألف بوليفار في الوقت الحالي، بينما سعر الصرف الرسمي للدولار، الذي أقرته الحكومة هو 10 بوليفارات للدولار الواحد عام 2017.
وأتاحت الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء للعملة، للبعض إمكانية جني أرباح هائلة عن طريق استفادتهم بسعر الصرف الرسمي وهو 10 بوليفارات، ثم التجارة في العملة بالسوق السوداء، أو حتى استيراد السلع والاستفادة من الدولار الرسمي الحكومي، وبيع تلك السلع في السوق السوداء.
كان لتلك المأساة تأثيرًا عميقًا على فقراء فنزويلا، فقد تجاوزت نسبة الفنزويليين تحت خط الفقر حاجز الـ80% من السكان، مما أسفر عن هروب نحو 4 أو 5 ملايين من السكان في السنوات الستة الأخيرة.
أساب تدهور الاقتصاد الفنزويلي:
1- تدني أسعار النفط:
تعتبر فنزويلا واحدة من الدول التي تعتمد بنسبة كبيرة جدًا على النفط في الحصول على عائدات جيدة أو العملة الصعبة، وبالتالي تمويل عمليات الاقتصاد واستيراد الأغدية والمواد اللازمة.
وكانت الإيرادات كبيرة عندما وصل سعر البرميل حوالي 100 دولار عام 2013 و2014، ولكن بقاء أسعار النفط حاليًا عند أدنى مستويات تاريخية أسفر عن معاناة الاقتصاد الفنزويلي.
وأثر تراجع أسعار النفط على فنزويلا التي تعتمد عليه بشكل أساسي ضمن صادراتها بشكل سلبي، وذلك يرجع إلى سببين؛ الأول هو أن العرض أكثر من الطلب، وكل دول أوبك متمسكة بالعدد اليومي من الصادرات، والسبب الثاني هو تأثير تباطؤ الاقتصادي العالمي ضمن تداعيات أزمة 2008 بشكل سلبي على واردات الصين والولايات المتحدة الأمريكية والقوى، التي تستورد هذه المادة وتعد محركًا لعملياتها الصناعية أيضًا خلال الفترة الأخيرة.
2- انخفاض قيمة العملة الفنزويلية:
أدى انخفاض العملة الصعبة بشكل حاد الناجم عن تراجع أسعار النفط إلى انهيار العملة المحلية “بوليفار”، حيث بلغت قيمة الدولار 175 بوليفارًا عام 2015، ووصلت قيمة العملة الأمريكية عام 2016 إلى 865 بوليفارًا، أي أقل من سنت واحد، وحاليًا أصبح البوليفار الفنزويلي يعادل 0.100 دولار أمريكي.
ويستبدل أغلب مواطني فنزويلا البوليفار بالدولار الأمريكي بشكل غير رسمي، كما أن نظام “مادورو” يشمل ثلاثة أسعار للصرف، اثنان لأنواع مختلفة من الواردات، وواحد للمواطنين العاديين.
3- أزمة الديون:
كانت “كاراكاس” على شفا التعثر في سداد الديون في عام 2016، وبالكاد استطاعت الحكومة توفير بعض الأموال من صادرات النفط الكافية للوفاء بالالتزامات الخارجية.
وأنشأ مادورو رئيس فنزويلا الحالي نظامًا للصرّف يعمل بسرعتين، من أجل تقليص الضغوط التضخمية، مع منح المؤسسات الاقتصادية تسهيلات الحصول على العملات الصعبة، بحيث تستطيع هذه المؤسسات أن تقلص النقص في المواد الغذائية مع تمكنّها من الاستيراد بسهولة.
ويتمثل الخطر الذي قد يسببه تنشيط الاستيراد، من دون أن تستعيد الصادرات حيويّتها، في المساهمة في تدهور الأرصدة الخارجية التي تحصل عليها البلاد من العملات الصعبة، فحتى يصبح الاقتصاد فعالاً يجب أن يكون مفعولُ العلاج سريعًا وجليًا؛ لأنه وراء تدهور هذه الموازنة أصبحت فنزويلا تواجه تهديدًا آخر وهو عدم قدرتها على الدفع.
4- إندلاع أزمة الغذاء:
أضحت أسعار السلع المستوردة باهظة جدًا في ظل الانهيار التام لعملة فنزويلا، وأصبحت الحكومة غير قادرة على شراء واردات السلع الغذائية الأساسية، مثل الحليب والدقيق والبيض؛ بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تتعرض لها فنزويلا، وهو ما جعل العديد من المتاجر والسوبرماركت خاوية من هذه السلع، وأسفر ذلك عن تضرر فئة الفقراء والطبقة المتوسطة المهددة بالفقر.
5- العقوبات الأمريكية:
أوقفت العقوبات الأمريكية التمويل من الخارج، ومنعت التبادلات الاقتصادية بينها وبين “كاراكاس” وشركات أمريكية كبرى.
ويعتبر الرئيس الفنزويلي أن العقوبات الأميركية هي سبب الأزمات المالية التي تعاني منها بلاده، لكنه يقر بأن الحكومة “ستتعلم مع مرور الوقت”.
وقد لجأت الحكومة الفنزويلية في أغسطس 2018، إلى إجراءات اقتصادية لتفادي الانهيار الكبير للعملة، كان أبرزها إطلاق عملة جديدة تدعى “البوليفار السيادي” مع حذف خمسة أصفار ليحل محل “البوليفار القوي” السابق.
ويسعى مادورو، من خلال هذه المبادرة، إلى الحدّ من مشكلة التضخم التي طالت الاقتصاد الفنزويلي، وفرض “انضباط مالي” للبلاد، فضلًا عن التوقف عن طباعة النقود بشكل مفرط مثلما كان الحال في السنوات الماضية.
اتحاد بنوك مصر “ له الشخصية الاعتبارية ولا يهدف للربح ، ويضم جميع البنوك وفروع البنوك الاجنبية الخاضعة لاحكام القانون رقم 194 لسنة 2020 باصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي…المزيد