تحليل تكتبه – دينا عبد الفتاح
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مصطلح يتردد في قاعات البحث أو شركات التكنولوجيا، بل أصبح واقعًا يتغلغل تدريجيًا في القطاع المالي حول العالم. البنوك والمؤسسات الاستثمارية وشركات التأمين باتت ترى فيه أداة رئيسية لتطوير الخدمات، خفض التكاليف، وتعزيز القدرة على التنبؤ بالمخاطر.
أين يُستخدم الذكاء الاصطناعي في البنوك؟
1.التحقق من الهوية (KYC):
أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على فحص مستندات العملاء وتحليل صورهم وبياناتهم بسرعة، مما يقلل وقت فتح الحسابات ويزيد دقة الالتزام باللوائح.
2.تحليل المخاطر الائتمانية:
بدلاً من الاعتماد فقط على البيانات التقليدية (مثل الدخل والتاريخ الائتماني)، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل كم هائل من البيانات غير التقليدية: سلوك العميل في الإنفاق، نمط استخدامه للهاتف المحمول، وحتى تفاعلاته عبر الإنترنت، لبناء تقييم أكثر شمولية للمخاطر.
3.الاكتشاف المبكر للاحتيال:
من أبرز تطبيقاته، مراقبة المعاملات لحظيًا والتقاط الأنماط غير المعتادة. إذا ظهرت حركة غير منطقية في حساب أحد العملاء، يمكن للنظام أن يوقف العملية أو يطلب تأكيدًا إضافيًا.
4.خدمة العملاء الذكية:
الروبوتات الحوارية (Chatbots) باتت قادرة على الرد على استفسارات العملاء على مدار الساعة، والإجابة عن الأسئلة الشائعة، وتقديم دعم أولي يخفف العبء عن مراكز الاتصال.
5.إدارة الاستثمار والتداول:
شركات إدارة الأصول تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل الأسواق، بناء محافظ استثمارية، بل وتنفيذ عمليات تداول آلية سريعة استنادًا إلى بيانات فورية.
الفرص التي يفتحها الذكاء الاصطناعي
- تسريع العمليات: ما كان يستغرق أيامًا من المراجعة اليدوية، يمكن إنجازه في دقائق.
- خفض التكاليف: أتمتة العمليات الروتينية توفر للبنوك ملايين الدولارات سنويًا.
- زيادة الدقة: أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على التقاط تفاصيل بشرية قد تفوت.
- تجربة عميل أفضل: خدمات أسرع وأكثر تخصيصًا، بما يعزز رضا العملاء وولاءهم.
التحديات والمخاطر
رغم هذه المكاسب، هناك عدة أسئلة جادة تحتاج البنوك إلى التعامل معها:
1.الأمان والخصوصية: كلما زاد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، زادت كمية البيانات التي تُجمع وتُعالج. كيف تضمن البنوك حماية هذه البيانات من الاختراق أو سوء الاستخدام؟
2.التحيز في الخوارزميات: إذا كانت البيانات الأصلية منحازة، فإن القرارات الناتجة ستكون منحازة أيضًا، ما قد يؤدي إلى ظلم بعض الفئات في الحصول على التمويل.
3.الشفافية: القرارات المبنية على الذكاء الاصطناعي قد تبدو كصندوق أسود. العميل قد يُرفض طلبه دون أن يفهم السبب.
4.المسؤولية القانونية: إذا وقع خطأ أو احتيال ناتج عن نظام ذكاء اصطناعي، من يتحمل المسؤولية: البنك، أم الشركة المطورة، أم النظام نفسه؟
5.تأثير على الوظائف: أتمتة بعض المهام قد تقلل من الحاجة إلى موظفين في أدوار تقليدية، ما يفرض على العاملين تطوير مهارات جديدة.
الطريق إلى تبني آمن وفعّال
لكي تستفيد المؤسسات المالية من الذكاء الاصطناعي دون أن تعرض نفسها لمخاطر كبيرة، هناك بعض المبادئ الأساسية:
- وضع أطر حوكمة واضحة لإدارة استخدام الذكاء الاصطناعي.
- تدريب الموظفين على التعامل مع الأدوات الجديدة بدل النظر إليها كبديل لهم.
- الاستثمار في الأمن السيبراني لحماية البيانات.
- الالتزام بالشفافية مع العملاء عند استخدام الذكاء الاصطناعي في قرارات تمس حياتهم المالية.
الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية تقنية، بل هو تحوّل استراتيجي في القطاع المالي. لكنه في الوقت نفسه سلاح ذو حدين: يفتح الباب أمام كفاءة غير مسبوقة وتجارب عملاء أكثر تطورًا، وفي المقابل يطرح تحديات خطيرة على صعيد الأمان، الشفافية، والوظائف. نجاح البنوك في هذا المجال لن يُقاس بمدى سرعة تبنيها للأدوات الذكية، بل بقدرتها على إدارتها بمسؤولية ومهنية