تحليل تكتبه – دينا عبد الفتاح
في القطاع المصرفي، حيث تقوم المعايير الدولية على الدقة والامتثال، يصبح الأداء الفردي لكل موظف عنصرًا جوهريًا في الحفاظ على قوة البنك وتصنيفه الائتماني. التقييم المهني لا يقتصر على مؤشرات الأداء الكمي، بل يمتد ليشمل السلوكيات المهنية والالتزام بمعايير الحوكمة وإدارة المخاطر.
الالتزام المهني يبدأ من الداخل: احترام الوقت، الالتزام بالسياسات الداخلية، والدقة في إعداد التقارير والمعاملات. فالأرقام في العمل المصرفي لا تحتمل الأخطاء الصغيرة، ومراجعة البيانات بعناية تعكس صورة احترافية تحمي المؤسسة وتعزز ثقة العملاء. لكن الالتزام لم يعد يقتصر على هذه الجوانب الداخلية فقط، بل أصبح مرتبطًا بما يجري على الساحة العالمية أيضًا
اليوم نعيش في عالم يشهد ارتفاع الديون العالمية إلى مستويات قياسية، وهو ما يرفع تكاليف الاقتراض ويضاعف أهمية إدارة السيولة في البنوك. هناك أيضًا تباطؤ في النمو العالمي وتوترات تجارية متزايدة تؤثر مباشرة على حركة الاستثمارات والتجارة، ما يتطلب من العاملين في البنوك يقظة أكبر في متابعة الأسواق ورصد المخاطر. في الوقت نفسه، الذكاء الاصطناعي ينتشر بسرعة في القطاع المالي، الأمر الذي يفرض التزامًا بالتعلم المستمر ومواكبة الأدوات الرقمية الحديثة، لأن الموظف الذي يتجاهل هذه التحولات قد يجد أن خبراته التقليدية تفقد قيمتها. وأخيرًا، التحولات في البنى التحتية المالية العالمية مثل تطوير بدائل لنظام SWIFT وصعود العملات الرقمية للبنوك المركزية، كلها تغيرات تتطلب وعيًا أوسع ومرونة في التكيف.
إلى جانب ذلك، يظل التعاون وروح الفريق عاملًا أساسيًا في أي تقييم. الموظف الذي يشارك المعرفة ويساعد زملاءه يقلل من “مخاطر الفرد الواحد” ويضيف قيمة حقيقية للمؤسسة. أما التطوير المهني، فيبقى شرطًا لا غنى عنه، سواء من خلال متابعة آخر التحديثات في المعايير الدولية مثل بازل أو IFRS، أو عبر الحصول على شهادات مهنية متخصصة. المبادرة والابتكار بدورهما يعكسان قدرة الموظف على الإضافة: اقتراح حلول عملية، أو تحسين العمليات باستخدام التكنولوجيا، كلها ممارسات ترفع تقييمه وتضعه في مسار قيادي.
إن التقييم الجيد للعاملين في البنوك لم يعد مرهونًا فقط بالنتائج المالية أو حجم العمليات، بل أصبح قائمًا على قدرتهم على الجمع بين الانضباط المؤسسي، الكفاءة الانالتشغيلية، الوعي بالتطورات العالمية، روح الفريق، والتطوير المستمر. هذه العناصر معًا هي التي تصنع الفارق بين موظف يؤدي دوره وموظف يُعوَّل عليه لبناء مستقبل القطاع.
“إن الاستثمار في رأس المال البشري هو خط الدفاع الأول للبنوك في مواجهة التحديات المحلية والعالمية، وضمان استدامة الثقة والتصنيف الجيد للمؤسسات المالية.”