61
تحليل تكتبه – دينا عبد الفتاح
خلال الفترة الأخيرة، بدأت بعض الدول النامية تقلل اعتمادها على الدولار في الاقتراض والتمويل. بدلًا من ذلك، تتجه نحو إصدار ديون بالعملة المحلية أو بعملات أخرى مثل اليورو أو اليوان الصيني. الهدف الأساسي هو تقليل المخاطر المرتبطة بتقلب سعر الصرف، وأيضًا تخفيف الاعتماد الكبير على الدولار، خاصة في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة الأمريكية.
هذا التحول يحدث لعدة أسباب. أولًا، تكلفة التمويل بالدولار ارتفعت بشكل ملحوظ مع صعود الفائدة الأمريكية. ثانيًا، الاعتماد على الدولار فقط يخلق خطر التركّز؛ فإذا حدثت أزمة أو عقوبات أو شُح في السيولة الدولارية، تتعطل قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها. ثالثًا، الاقتراض بالعملة المحلية يخفف من خطر تقلب سعر الصرف، رغم أن الأسواق المحلية عادة أقل عمقًا. وأخيرًا، ظهور بدائل مثل سندات اليوان (باندا) أو السندات المقومة بالين (ساموراي) يفتح مجالات جديدة.
بالنسبة لفرق الخزانة في البنوك والشركات المالية، هذا التحول يعني أن المستقبل سيكون أكثر تعددًا في العملات وأعلى تعقيدًا في إدارة السيولة. التكلفة الحقيقية للتمويل لم تعد تتوقف على الفائدة الاسمية فقط، بل تشمل أيضًا تكلفة التحويل والتحوط. لهذا، أصبح من الضروري متابعة أسعار الفائدة العالمية، وفروق المبادلات بين العملات، إلى جانب الفارق بين السعر الرسمي والسوق غير الرسمية في بعض الاقتصادات.
المخاطر هنا واضحة: بعض العملات البديلة أقل سيولة من الدولار، ما يزيد من كلفة التحويل. كذلك، الاعتماد على عملات غير مستقرة قد يرفع من مخاطر السوق بدل أن يقللها. ومن ثم، فإن نجاح الخزانة يعتمد على وضوح سياسات التحوط، وإدارة الفجوات بين الأصول والخصوم بكل عملة.
ماذا يفعل مدير الخزانة الآن؟
1.رسم خريطة العملات: إعداد جدول شامل يوضح الأصول والخصوم لكل عملة، بهدف معرفة الفجوات التي تحتاج إلى تغطية أو تحوط.
2.تسعير حقيقي للتكلفة: لا يقتصر التقييم على الفائدة الاسمية، بل يجب إضافة تكلفة التحويل بين العملات وتكلفة التحوط.
3.بناء أدوات تحوط مرنة: استخدام العقود الآجلة أو مبادلات العملة لتقليل المخاطر، مع متابعة دورية للتأكد من كفاءة التغطية.
4.تأمين السيولة المتعددة: الحفاظ على مخزون سيولة كافٍ بعدة عملات، والتفاوض على خطوط تمويل طارئة بعملات بديلة.
5.متابعة المؤشرات العالمية: رصد أسعار الفائدة العالمية (الأمريكية، الأوروبية، اليابانية)، أساس المبادلات بين العملات، والفروق بين السوق الرسمية وغير الرسمية.
باختصار الابتعاد الجزئي عن الدولار ليس شعارًا سياسيًا فقط، بل واقع جديد في أسواق المال. بالنسبة لمديري الخزانة، هذا يعني إعادة التفكير في أدوات التمويل، والتحوط بذكاء، وبناء سياسات سيولة أكثر مرونة. من ينجح في إدارة هذا التحول سيحول التحدي إلى ميزة تنافسية حقيقية.