تحليل تكتبه – دينا عبد الفتاح
تصريحات الدكتور محمود محيي الدين في 31 أغسطس 2025 لم تمر مرور الكرام. حين قال إن الاقتصاد المصري لم يتحرك منذ 2015، كان يُطلق إنذارًا مبكرًا بأن النمو الرقمي على الورق لا يكفي، وأن التغيير الحقيقي يبدأ من النمو النوعي الذي يُترجم إلى وظائف وإنتاج وصادرات.
على مدى عقد كامل، تعامل الاقتصاد المصري بمنطق إدارة الأزمات. تم ضبط سعر الصرف، خفض التضخم، والالتزام ببرامج صندوق النقد. هذه الخطوات كانت ضرورية لكنها مؤقتة، أشبه بوقف نزيف الجرح من دون علاج المرض. ما يشير إليه محيي الدين هو أن مصر بحاجة لنقل مركز الثقل من السياسات المالية والنقدية الدفاعية إلى تصنيع وتصدير وتنافسية.
الفجوة مع الاقتصاد العالمي تكشف حجم التحدي. فمصر التي تضم 1.3% من سكان العالم، لا تسهم إلا بـ0.3% من الناتج العالمي. هذه المعادلة تعكس عدم استغلال الموارد البشرية والطبيعية. مقارنات بسيطة مع دول أصغر حجمًا مثل كوريا الجنوبية أو فيتنام توضّح أن القدرة على التحول قائمة، إذا توافرت الرؤية والاستراتيجية.
اللافت أيضًا في حديث محيي الدين كان نقده غير المباشر للاعتماد المفرط على صندوق النقد. فهو لا ينكر أهمية الصندوق في تصحيح اختلالات عاجلة، لكنه يحذر من أن الاكتفاء بوصفاته يجعل الاقتصاد يدور في حلقة انكماشية. دعوته كانت صريحة: بناء مسار وطني مستقل، قائم على تشجيع التصدير والصناعة وتمكين القطاع الخاص.
لكن الاقتصاد ليس أرقامًا فقط. محيي الدين ذكّر بأن الطبقة الوسطى هي العمود الفقري لأي مجتمع. تآكل هذه الطبقة في مصر يعني أن الإصلاح الاقتصادي لا يصل فعليًا إلى حياة الناس اليومية. من هنا جاءت تصريحاته صرخة مزدوجة: اقتصادية واجتماعية، تطالب بأن يكون الإصلاح في خدمة المواطن لا مجرد أداة محاسبية.
في المقابل، ما زالت الفرصة قائمة. خفض الفائدة الأخير، التركيز المتزايد على التصنيع المحلي، وحجم السوق الاستهلاكي المصري، كلها مؤشرات إيجابية. لكن استثمار هذه اللحظة يحتاج إلى تغيير في الذهنية الاقتصادية: من اقتصاد دفاعي إلى اقتصاد هجومي، من تكديس الذهب والدولار إلى استثمار في المصانع والمزارع، ومن سياسات قصيرة المدى إلى رؤية إنتاجية طويلة الأجل.
تصريحات محيي الدين التي جائت لقناة العربية طرحت سؤالًا جوهريًا: هل ستظل مصر تكتفي بالاستمرار في اقتصاد إدارة الأزمات، أم ستختار مسارًا أصعب لكنه أكثر استدامة: اقتصاد الإنتاج والصناعة والتصدير؟ هذا السؤال لا يخص الحكومة وحدها، بل يخص المجتمع كله، لأن الإجابة عليه ستحدد موقع مصر في الاقتصاد العالمي خلال العقدين المقبلين