أصدر صندوق النقد الدولي اليوم تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، والذي كشف عن مرونة غير متوقعة للاقتصاد العالمي في مواجهة تشديد السياسة النقدية على نطاق واسع.
وأوضح التقرير أن الاقتصاد العالمي نجح في تجنب الركود، ومن المتوقع أن يستقر معدل النمو العالمي عند 3.2% خلال العامين المقبلين 2024 و2025، ورغم هذا الاستقرار النسبي، حذر الصندوق من أن عدداً من البلدان، خاصة تلك النامية منخفضة الدخل، قد تشهد تباطؤاً في النمو بسبب تصاعد الصراعات وتأثيرها السلبي.
تشير توقعات الصندوق إلى نمو مستقر وسط استمرار تراجع التضخم ومن المتوقع أن يظل النمو العالمي ثابتا بوجه عام، مرجحًا أن تتباطأ المعدلات عالميًا من 3.3% في 2023 إلى 3.1% بحلول عام 2029 ، ولن يتغير إلى حد كبير عن تنبؤات آفاق الاقتصاد العالمي في أبريل 2024 وأكتوبر 2023.
وفي حين رحب التقرير بالانخفاض العالمي في التضخم، إلا أنه أشار إلى ازدياد المخاطر التي تهدد هذا الاستقرار، ومن أبرز هذه المخاطر تصاعد الصراعات الإقليمية، إذ يمكن أن يؤدي استمرار الصراعات إلى تعطيل سلاسل الإمداد وزيادة التضخم.
كما أشار صندوق النقد الدولي إلى استمرار تشديد السياسة النقدية، إذ قد يؤدي الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة إلى إبطاء النمو الاقتصادي، مضيفًا أن تقلبات الأسواق المالية أيضًا ضمن هذه التحديات يمكن أن تؤدي إلى زيادة تكاليف الاقتراض وزيادة المخاطر على الاستقرار المالي.
وشملت التحديات التي ذكرها الصندوق تباطؤ أعمق في النمو في الصين ، نظرًا لأهمية الصين في الاقتصاد العالمي، فإن أي تباطؤ في نموها سيكون له تداعيات عالمية. فضلًا عن تصاعد الحمائية، إذ قد تؤدي السياسات الحمائية إلى تقويض التجارة العالمية وزيادة التكاليف.
وأكد التقرير أن توقعات النمو العالمي ظلت مستقرة مقارنة بالتوقعات السابقة، ولكن مع وجود تحذيرات بشأن المخاطر المتزايدة، ودعا الصندوق صناع السياسات إلى اتخاذ إجراءات استباقية للتصدي لهذه التحديات والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي العالمي.
واعترف صندوق النقد بوجود حالة من عدم اليقين السياسي الاستثنائي المرتبط بالحكومات المنتخبة حديثًا في عام 2024 (في 64 دولة تمثل حوالي نصف سكان العالم)، مشيرًا إلى أن التوقع الأساسي حول أسعار السلع الأساسية والسياسة المالية والنقدية محاط بسيناريوهين بديلين، يوضحان الآثار الرئيسية للتحولات في التجارة والسياسة المالية على النمو والتضخم. ومن المفترض أن تكون السيناريوهات توضيحية ولكنها بدائل معقولة كميًا حول الخط الأساسي.
وذكر التقرير انه مع انحسار التضخم، من المتوقع أن تحذو أسعار الفائدة الأساسية حذوها، مما يحول دون حدوث زيادات لا مبرر لها في أسعار الفائدة الحقيقية، مشيرًا إلى انه من المتوقع أن تنخفض أسعار الفائدة تدريجيا نحو مستوياتها الطبيعية، وهي مستويات أسعار الفائدة الحقيقية الخالية من المخاطر المتوافقة مع الناتج عند المستوى المحتمل والتضخم عند المستوى المستهدف.
ولفت إلى أن التخفيضات في إنتاج وشحن السلع الأساسية (النفط على وجه الخصوص)، والصراعات، والاضطرابات المدنية أدت إلى خفض التوقعات الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وفي الوقت نفسه، أدى الطلب المتزايد على أشباه الموصلات والإلكترونيات، مدفوعا بالاستثمار الكبير في الذكاء الاصطناعي، إلى تغذية نمو أقوى في آسيا الناشئة.
ورجح الصندوق ارتفاع أسعار النفط بنسبة 0.9% في 2024 إلى حوالي 81 دولارًا للبرميل مع تخفيضات الإنتاج من قبل أوبك + (منظمة البلدان المصدرة للبترول بالإضافة إلى دول غير أعضاء مختارة، بما في ذلك روسيا)، ونمو الطلب العالمي على النفط المستدام، والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط التي تعوض عن النمو القوي في العرض من خارج أوبك +.
ولكن بشكل عام، من المتوقع أن تنخفض أسعار السلع الأساسية للوقود بنسبة 3.8% في المتوسط ــ بسبب انخفاض أسعار الغاز الطبيعي (بنسبة 16.4%) والفحم (بنسبة 18.0%) مع خروجها من ذروتها في عام 2022 ــ ولكن بوتيرة أبطأ مما كان متوقعا في أبريل.
ومن المتوقع أن تنخفض أسعار المواد الغذائية بنسبة 5.2% في عام 2024 وبنسبة 4.5% أخرى في عام 2025 مع توقع وصول إنتاج الحبوب العالمي إلى مستويات قياسية مرتفعة في الفترة 2024-2025.
بالمقارنة مع تقرير صندوق النقد الصادر في أبريل الماضي، تحول المسار المتوقع لأسعار الفائدة للبنوك المركزية الكبرى في الاقتصادات المتقدمة.
وأوضح التقرير أنه من المتوقع خفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في عام 2024 و50 نقطة أساس في عام 2025، ليصل سعر الفائدة إلى 2.5% بحلول يونيو 2025 في منطقة اليورو. أما في في الولايات المتحدة، تحول بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة في سبتمبر، بدءًا بخفض 50 نقطة أساس. ومن المتوقع أن يصل سعر الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى توازنه الطويل الأجل عند 2.9% في الربع الثالث من عام 2026، أي قبل عام تقريبًا من الموعد المتوقع في أبريل.
في اليابان عدل الصندوق توقعات أسعار الفائدة بالزيادة (منذ توقعات الاقتصاد العالمي في أبريل 2024)، مما يعكس رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة في يوليو، مشيرًأ إلى انه من المتوقع أن يستمر سعر الفائدة في الارتفاع تدريجيا على المدى المتوسط نحو مستوى محايد يبلغ نحو 1.5%، بما يتفق مع إبقاء التضخم وتوقعات التضخم ثابتة عند هدف بنك اليابان البالغ 2%.
وعلى صعيد السياسة المالية العالمية، قال الصندوق إنه من المتوقع في المتوسط أن تشدد الحكومات في الاقتصادات المتقدمة مواقفها في مجال السياسة المالية في كل من عامي 2024 و2025، مما يؤدي إلى خفض العجز الأولي إلى النصف بحلول عام 2029.
وأوضح أن التناقضات بين منطقة اليورو والولايات المتحدة مهمة، إذ يتم تقليص العجز المالي في الولايات المتحدة بشكل طفيف فقط، ليظل عند نحو 6.1% في عام 2029، ويعكس نحو نصف هذا العجز نفقات أسعار الفائدة.
وأكد أنهوفي ظل السياسات الحالية، لم يستقر الدين العام في الولايات المتحدة، حيث بلغ نحو 134% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2029. ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن يستقر معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بالفعل عند نحو 88% في عام 2024، وإن كان ذلك مع بعض الاختلافات بين البلدان.
كما قال الصندوق أن التناقضات الكبيرة تتجلى في مجموعة بلدان الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية أيضًا. ففي حين يُتوقع أن تظل المواقف المالية فضفاضة نسبيًا في المتوسط في الأسواق الناشئة، فإن توحيد الأوضاع المالية مستمر بين الاقتصادات النامية.
ووذكر أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، فقدت العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض القدرة على الوصول إلى السوق أو اضطرت إلى تقليص العجز بشكل كبير لأن أسعار الفائدة المرتفعة دفعت تكاليف الاقتراض إلى الارتفاع، متوقعًا أن يؤدي توحيد الأوضاع المالية القسري إلى خفض نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 47.4% في عام 2029 من 54.8% في عام 2024، وهو انخفاض بنحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي كل عام.